فصل: الحديث الثَّالِث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين:

عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يداوم عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر».
هَذَا الحَدِيث سلف فِي الْبَاب بِنَحْوِهِ فِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ مَعَ مَا يُخَالِفهُ فَرَاجعه.

.الحديث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «مَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتيني فِي يَوْم بعد الْعَصْر إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث الْأسود ومسروق قَالَا: «نشْهد عَلَى عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: مَا كَانَ يكون يَوْمه الَّذِي كَانَ يكون فِيهِ عِنْدِي إِلَّا صلاهما رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي- يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر». وَرَوَى هُوَ وَالْبُخَارِيّ عَنْهَا قَالَت: «مَا ترك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر عِنْدِي قطّ». وَقد سلف، وعنها: «صلاتان مَا تَركهمَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي قطّ سرًّا وَعَلَانِيَة رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر، وركعتان بعد الْعَصْر» وَقد سلف قَرِيبا حَدِيث أبي سَلمَة عَن عَائِشَة. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه عَنْهَا: «مَا من يَوْم كَانَ يَأْتِي عَلّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا صَلَّى بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ».

.الحديث الخَمْسُونَ:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْعَصْر وَينْهَى عَنْهَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، عَن ذكْوَان مولَى عَائِشَة أَنَّهَا حدثته «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْعَصْر وَينْهَى عَنْهَا، ويواصل وَينْهَى عَن الْوِصَال». وَابْن إِسْحَاق هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار أَبُو بكر، وَيُقَال: أَبُو عبد الله المطلبي، مَوْلَاهُم الْمدنِي الإِمَام صَاحب الْمَغَازِي، رَأَى أنسا، وَرَوَى عَن عَطاء وطبقته، وَعنهُ الْأَئِمَّة وَكَانَ مِمَّن يحوز الْعلم وَله غرائب فِي سَعَة مَا رَوَى وَهُوَ صَدُوق، وَحَدِيثه فَوق الْحسن، وَقد صَححهُ جمَاعَة. قَالَ أَحْمد: حسن الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: كثير التَّدْلِيس. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَيْضا مُحَمَّد بن شهَاب وَشعْبَة وَابْن عُيَيْنَة وَأَبُو زرْعَة وَالْبُخَارِيّ، ووثقة الْعجلِيّ وَابْن سعد. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: حَدِيثه صَحِيح. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة الدوري والساجي: ثِقَة. وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا وَاسْتشْهدَ بِهِ مُسلم فِي خَمْسَة أَحَادِيث.
وأفظع مَالك القَوْل فِيهِ فَقَالَ: هُوَ دجال من الدجاجلة، وَقد أنكر ذَلِك عَلَيْهِ غير وَاحِد حَتَّى قَالَ الْخَطِيب: أطلق مَالك لِسَانه فِي قوم معروفين بالثقة وَالصَّلَاح، وَقَالَ ابْن نمير: لم يعرفهُ مَالك وَلم يجالسه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: ذاكرت دحيمًا قَول مَالك فَرَأَى أَن ذَلِك لَيْسَ للْحَدِيث، إِنَّمَا ذَلِك؛ لِأَنَّهُ اتهمه بِالْقدرِ قَالَ ابْن نمير: وَقد كَانَ أبعد النَّاس مِنْهُ- أَي من الْقدر- وَذكر ابْن حبَان شبه مقَالَته هَذِه فِيهِ فَقَالَ فِي ثقاته: فِي أَتبَاع التَّابِعين: تكلم فِيهِ رجلَانِ، هِشَام بن عُرْوَة وَمَالك بن أنس؛ أما هِشَام فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: إِن ابْن إِسْحَاق حدث عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر؟ قَالَ: وَهل كَانَ يصل إِلَيْهَا؟! قَالَ ابْن حبَان: وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا يجرح بِهِ الْإِنْسَان، وَذَلِكَ أَن التَّابِعين مثل الْأسود وعلقمة من أهل الْعرَاق، وَأبي سَلمَة وَعَطَاء ودونهما من أهل الْحجاز قد سمعُوا من عَائِشَة من غير أَن ينْظرُوا إِلَيْهَا، سمعُوا صَوتهَا، وَقبل النَّاس أخبارهم من غير أَن يصل إِلَيْهَا حَتَّى ينظر إِلَيْهَا عيَانًا، وَكَذَلِكَ ابْن إِسْحَاق كَانَ يسمع من فَاطِمَة والسّتْر من بَينهمَا مُسْبَل أَو بَينهمَا حَائِل بِحَيْثُ يسمع كَلَامهَا، فَهَذَا سَماع صَحِيح، والقادح فِيهِ بِهَذَا غير منصف.
وَأما مَالك؛ فَإِنَّهُ كَانَ ذَلِك مِنْهُ مرّة، ثمَّ عَاد إِلَى مَا يحب، وَذَلِكَ أَنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الْعَرَب وأيامهم من مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَكَانَ يزْعم أَن مَالِكًا من موَالِي ذِي أصبح وَكَانَ مَالك يزْعم أَنه من أنفسهم، فَوَقع بَينهمَا لهَذَا مُعَارضَة، فَلَمَّا صنف مَالك الْمُوَطَّأ قَالَ ابْن إسحاق: ائْتُونِي بِهِ فَإِنِّي بيطاره، فَنقل ذَلِك إِلَى مَالك، فَقَالَ: هُوَ دجال من الدجاجلة يروي عَن الْيَهُود، وَكَانَ بَينهم مَا يكون بَين النَّاس، حَتَّى عزم مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَلَى الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق فتصالحا حِينَئِذٍ، فَأعْطَاهُ مَالك عِنْد ذَلِك الْوَدَاع خمسين دِينَارا نصف ثَمَرَته تِلْكَ السّنة، وَلم يكن يقْدَح فِيهِ مَالك من أجل الحَدِيث، إِنَّمَا كَانَ يُنكر عَلَيْهِ تتبعه غزوات النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْيَهُود الَّذين أَسْلمُوا وحفظوا قصَّة خَيْبَر وَقُرَيْظَة وَالنضير وَمَا أشبههَا من الْغَزَوَات عَن أسلافهم، وَكَانَ ابْن إِسْحَاق يتتبع هَذَا عَنْهُم ليَعْلَمَ، من غير أَن يحْتَج بهم، وَكَانَ مَالك لَا يرَى الرِّوَايَة إِلَّا عَن متقن صَدُوق فَاضل يحسن مَا يروي، ويروي مَا يحدث.
قَالَ عَلّي بن الْحُسَيْن بن وَاقد: دخلت عَلَى ابْن الْمُبَارك وَإِذا هُوَ وَحده، فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، كنت أشتهي أَن أَلْقَاك عَلَى هَذِه الْحَالة. قَالَ: هَات. قلت: مَا تَقول فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق؟ قَالَ: أما إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَدُوقًا- ثَلَاث مَرَّات.
وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: كَانَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق ثبتًا فِي الحَدِيث. قَالَ ابْن حبَان: لم يكن أحد بِالْمَدِينَةِ يُقَارب ابْن إِسْحَاق فِي علمه وَلَا يوازيه فِي جمعه. وَكَانَ شُعْبَة سُفْيَان يَقُولَانِ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث، وَهُوَ من أحسن النَّاس سياقًا للْأَخْبَار، وَأَحْسَنهمْ حفظا لمتونها، وَإِنَّمَا أُذي؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلس عَلَى الضُّعَفَاء؛ فَوَقع الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته من قبل أُولَئِكَ، فَأَما إِذا بَين السماع فِيمَا يرويهِ فَهُوَ ثَبت يحْتَج بروايته.
قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَدُوق، وَالدَّلِيل عَلَى صدقه أَنه مَا رَوَى عَن أحد من الجلة إِلَّا وَرَوَى عَن رجل عَنهُ؛ فَهَذَا يدل عَلَى صدقه. وَفِي رِوَايَة أَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ سُئِلَ عَنهُ أَيْضا، فَقَالَ: ثِقَة قد أدْرك نَافِعًا وَرَوَى عَنهُ وَرَوَى عَن رجل عَنهُ، وَعَن رجل عَن رجل عَنهُ هَل يدل ذَلِك إِلَّا عَلَى الصدْق.
قَالَ ابْن حبَان: كَانَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق يكْتب عَن من فَوْقه وَمثله ودونه لرغبته فِي الْعلم وحرصه عَلَيْهِ فَرُبمَا يروي عَن رجل قد رَآهُ، ويروي عَن آخر عَنهُ فِي مَوضِع آخر، ويروي عَن رجل، عَن رجل عَنهُ، فَلَو كَانَ مِمَّن يسْتَحل الْكَذِب لم يحْتَج إِلَى الْإِنْزَال؛ بل كَانَ يحدث عَمَّن يرَاهُ ويقتصر عَلَيْهِ، فَهَذَا مِمَّا يدلك عَلَى صدقه وشهرة عَدَالَته فِي الرِّوَايَات. قَالَ يَحْيَى بن يَحْيَى وَذكر عِنْده مُحَمَّد بن إِسْحَاق: فوثقه. هَذَا آخر كَلَام ابْن حبَان، وَقد أوضح تَرْجَمته وأجاد.
وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان- وَهُوَ المدقق فِي النّظر-: المتحصل من أَمر ابْن إِسْحَاق الثِّقَة وَالْحِفْظ، ولاسيما السّير وَلم يَصح عَلَيْهِ قَادِح.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنته وَذكر فِيهِ من الْآثَار عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْحَائِض: تطهر قبل طُلُوع الْفجْر بِرَكْعَة يلْزمهَا الْمغرب وَالْعشَاء» وَهُوَ أثر مَشْهُور عَنْهُمَا رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ.
أما الأول فَرَوَاهُ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن يَرْبُوع، عَن جده عبد الرَّحْمَن، عَن مولَى لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: إِذا طهرت الْحَائِض قبل أَن تغرب الشَّمْس صلت الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَإِذا طهرت الْحَائِض قبل أَن يطلع الْفجْر صلت الْمغرب وَالْعشَاء جَمِيعًا.
قَالَ الْخلال: كَانَ أَبُو عبد الله- يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل- يَقُول مُحَمَّد بن عُثْمَان هَذَا كَانَ ثِقَة، فِي إِسْنَاده مولَى لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف- لَعَلَّه- يَعْنِي أَنه مَجْهُول- قَالَ: وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة يهم فِيهِ فَيَقُول: سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع وَإِنَّمَا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن يَرْبُوع، قيل لأبي عبد الله: رَوَاهُ حَاتِم والدراوردي- يَعْنِي عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان- فَأَيّهمَا أحب إِلَيْك؟ قَالَ: حَاتِم، وَحمل عَلَى الدَّرَاورْدِي يحدث أَحَادِيث مَنَاكِير.
وَأما أثر ابْن عَبَّاس- وَهُوَ الثَّانِي- فَرَوَاهُ من حَدِيث زَائِدَة، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا طهرت الْمَرْأَة فِي وَقت صَلَاة الْعَصْر فلتبدأ بِالظّهْرِ فلتصلها ثمَّ لتصل الْعَصْر، وَإِذا طهرت فِي وَقت الْعشَاء الْآخِرَة فلتبدأ فلتصل الْمغرب وَالْعشَاء».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم، عَن طَاوس وَعَطَاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَإِذا طهرت قبل الْفجْر صلت الْمغرب وَالْعشَاء.
قَالَ: وَقيل عَنهُ عَنْهُمَا من قَوْلهمَا.
قَالَ: ورويناه عَن جمَاعَة من التَّابِعين سواهُمَا، وَعَن الْفُقَهَاء السَّبْعَة من الْمَدِينَة، وَقَالَ فِي خلافياته قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَاق: وَلَا أعلم أحدا من الصَّحَابَة خالفهما فِي ذَلِك- يَعْنِي ابْن عَوْف وَابْن عَبَّاس.
قلت: وَفِي الْكتاب الْمُسَمَّى ببالموضح أَوْهَام الْجمع والتفريق. لِلْحَافِظِ أبي بكر الْخَطِيب من حَدِيث عبَادَة بن نسي، عَن ابْن غنم «أَنه سَأَلَ معَاذ بن جبل عَن الْمَرْأَة تطهر قبل غرُوب الشَّمْس؛ قَالَ: تصلي الْعَصْر. قَالَ: قبل ذهَاب الشَّفق؟ قَالَ: تصلي الْمغرب.
قَالَ: قبل طُلُوع الشَّمْس؟ قَالَ: تصلي الْفجْر. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا ويأمرنا أَن نعلم نِسَاءَنَا»
.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
{رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}.

.باب الْأَذَان:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ وَأسْقط الْأَذَان من الثَّانِيَة».
هَذَا حَدِيث صَحِيح؛ فَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي صفة حجه عَلَيْهِ السَّلَام: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام فَأجَاز حَتَّى أَتَى عَرَفَة وسَاق الحَدِيث إِلَى أَن ذكر خطْبَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثمَّ أذن، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، وَلم يصل بَينهمَا...» وسنسوق الحَدِيث بِكَمَالِهِ فِي كتاب الْحَج إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِيه أَيْضا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى الْمزْدَلِفَة فَصَلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ لم يسبح بَينهمَا شَيْئا».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ واللَّفْظ للْبُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِإِقَامَة، وَلم يسبح بَينهمَا وَلَا عَلَى إِثْر وَاحِدَة مِنْهُمَا».
مَعْنَى لم يسبح: لم يصل نَافِلَة، وَجمع: هِيَ الْمزْدَلِفَة.
وَلَفظ مُسلم: «جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، صَلَّى الْمغرب ثَلَاثًا، وَالْعشَاء رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَة وَاحِدَة».
وَفِي رِوَايَة للنسائي «صَلَّى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِإِقَامَة» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «بِإِقَامَة وَاحِدَة لكل صَلَاة، وَلم يناد فِي الأولَى» وَهِي مفسرة لرِوَايَة مُسلم، وَرِوَايَة البُخَارِيّ توضحها، وَهِي قصَّة وَاحِدَة.
وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ: «لم يناد فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَّا بِإِقَامَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ أُخْرَى نقلهَا ابْن عبد الْبر: «لم يناد بَينهمَا وَلَا عَلَى أثر وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَّا بِالْإِقَامَةِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا من حَدِيث أُسَامَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع بَين العشائين بِمُزْدَلِفَة بإقامتين».
قَالَ الْأَئِمَّة: وَرِوَايَة جَابر فِي إِثْبَات الْأَذَان مُقَدّمَة عَلَى رِوَايَة ابْن عمر؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة ثِقَة لَا يعارضها شَيْء، وَلِأَنَّهُ أعرفهم بِأَمْر حجَّة الْوَدَاع، وَأَحْسَنهمْ سِيَاقَة لَهُ، وأشدهم مُحَافظَة عَلَى الاعتناء بِهِ، واستيعابه. وَذكر الطَّبَرِيّ فِي «تَهْذِيب الْآثَار»: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صلاهما بِإِقَامَة وَاحِدَة» من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَابْن عمر، وَأبي بن كَعْب، وَخُزَيْمَة بن ثَابت، وَأُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وَمَا قدمْنَاهُ يُخَالِفهُ وَالْأَخْذ بِهِ أولَى وَالله أعلم.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى أَصله من حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شببة متقاربون فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رحِيما رَقِيقا فَظن أنَّا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عَمَّن تَرَكْنَاهُ من أهالنا فَأَخْبَرنَاهُ فَقَالَ: ارْجعُوا إِلَى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم، وليؤمكم أكبركم».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِذا حضرت الصَّلَاة فأذنا ثمَّ أقيما، وليؤمكما أكبركما».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «مُرُوهُمْ فليصلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، وَصَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا».
وَفِي رِوَايَة لَهُ وَهِي من أَفْرَاده: «وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
وَفِي مُسلم قَالَ خَالِد الْحذاء: «وَكُنَّا متقاربين فِي الْقِرَاءَة».
وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان: «وَكَانَا متقاربين» قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة من كَلَام أبي قلَابَة أدرجها خَالِد الطَّحَّان. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، وَفِيه: قَالَ خَالِد: «فَقلت لأبي قلَابَة فَأَيْنَ الْقِرَاءَة؟ قَالَ: إنَّهُمَا كَانَا متقاربين».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا خرجتما فليؤذن أَحَدكُمَا وليقم وليؤمكما أكبركما»، قَالَ: وَفِي هَذَا بَيَان عَلَى أَن قَوْله «فأذنا وأقيما» أَرَادَ بِهِ أَحدهمَا لَا كِلَاهُمَا.
قلت: وَكَذَا ترْجم البُخَارِيّ عَلَيْهِ بَاب من قَالَ ليؤذن فِي السّفر مُؤذن وَاحِد، وَترْجم عَلَيْهِ بتراجم أخر مِنْهَا: الْأَذَان للْمُسَافِر إِذا كَانُوا جمَاعَة، وَمِنْهَا رَحْمَة النَّاس والبهائم من كتاب الْأَدَب وَمِنْهَا إجَازَة خبر الْوَاحِد.
فَائِدَة: قَوْله «رَقِيقا»- هُوَ بقافين- وَفِي بعض رِوَايَات البُخَارِيّ بفاء وقاف قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم، «ورأيتموني» مَعْنَاهُ: علمتموني، «والشببة» جمع شَاب مثل: كَاتب وكتبة، وسافر وسفرة، وَيجمع أَيْضا عَلَى شباب، قَالَه الْهَرَوِيّ. قَالَ: وَلَا يجمع فَاعل عَلَى فعال غَيره وَفِي حد الشَّبَاب اخْتِلَاف ذكرته فِي شرح الْعُمْدَة فِي كتاب النِّكَاح فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي سعيد الْخُدْرِيّ: «إِنَّك رجل تحب الْغنم والبادية، فَإِذا دخل وَقت الصَّلَاة فَأذن وارفع صَوْتك؛ فَإِنَّهُ لَا يسمع صَوْتك حجر وَلَا شجر وَلَا مدر إِلَّا شهد لَك يَوْم الْقِيَامَة».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي وسيطه، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْإِمَام تبع القَاضِي الْحُسَيْن، وَكَذَا هُوَ مَذْكُور فِي شرح ابْن دَاوُد للمختصر وَهُوَ من مُتَقَدِّمي الْأَصْحَاب، وَكَذَا هُوَ فِي الْحَاوِي للماوردي وَهُوَ تَغْيِير للْحَدِيث، وَصَوَابه مَا ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاك تحب الْغنم والبادية، فَإِذا كنت فِي غنمك أَو باديتك فَأَذنت بِالصَّلَاةِ فارفع صَوْتك بالنداء؛ فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة». قَالَ أَبُو سعيد: سمعته من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا لَفظه وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَكَذَا أخرجه مَالك فِي موطئِهِ وَأخرجه الشَّافِعِي عَنهُ كَذَلِك، غير أَنه لم يذكر فِيهِ بالنداء وَلم يذكر فِيهِ الْمُؤَذّن، بل قَالَ: «مدى صَوْتك» فصوابه أَن الْقَائِل لذَلِك هُوَ أَبُو سعيد للراوي عَنهُ، لَا جرم اعْترض ابْن الصّلاح فَقَالَ: أصل هَذَا الحَدِيث ثَابت، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك، وَأخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن ابْن أبي أويس، عَن مَالك، لَكِن قَول صَاحب الْكتاب- يَعْنِي الْغَزالِيّ- وَشَيْخه: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأبي سعيد: «إِنَّك رجل تحب الْغنم والبادية» وهم وتحريف إِنَّمَا الْقَائِل لذَلِك أَبُو سعيد للراوي عَنهُ، وَهُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي تنقيحه: هَذَا الحَدِيث مِمَّا غَيره المُصَنّف وَشَيْخه وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْن والرافعي وَغَيرهم من الْفُقَهَاء، فَجعلُوا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ قَائِل هَذَا الْكَلَام لأبي سعيد، وغيروا لَفظه أَيْضا، فَالصَّوَاب مَا ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ والْمُوَطَّأ وَجَمِيع كتب الحَدِيث، ثمَّ سَاق رِوَايَة البُخَارِيّ السالفة وَقَالَ: هَذَا لفظ رِوَايَة البُخَارِيّ وَسَائِر الْمُحدثين وَغَيرهم، وَأَبْدَى الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي مطلبه عذرا حسنا لهَؤُلَاء الْجَمَاعَة فَقَالَ: لَعَلَّ الْحَامِل للْقَاضِي عَلَى ذَلِك جعل قَول أبي سعيد: سمعته من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. عَائِدًا إِلَى كل مَا ذكره أَبُو سعيد للرواي عَنهُ، وَيكون تَقْدِيره: سَمِعت مثل مَا ذكرت لَك من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك صَحَّ مَعَه مَا ذكره المُصَنّف وَمن تبعه بِاعْتِبَار الْمَعْنى لَا بِصُورَة اللَّفْظ، قَالَ: وَقد رَأَيْت فِي شرح ابْن دَاوُد للمختصر- وَهُوَ من مُتَقَدِّمي الْأَصْحَاب قبل الشَّيْخ أبي حَامِد وَأَتْبَاعه- مَا أودعهُ الْغَزالِيّ غير أَنه لم يقل فِيهِ: «فَأذن» وَلَكِن قَالَ فِيهِ: «فَأَذنت»- كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ- وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ أَمر بِالْأَذَانِ بل الْمَأْمُور فِيهِ رفع الصَّوْت إِن وجد الْأَذَان، وَلِهَذَا اسْتدلَّ بِهِ القَاضِي عَلَى رفع الصَّوْت فَقَط وَلَعَلَّه المسموع من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا هَذَا القيل، وَلَقَد أوردهُ البُخَارِيّ فروَى عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «
لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة»
.
فَائِدَة: المدى- بِفَتْح الْمِيم- مَقْصُور وَيكْتب بِالْيَاءِ، وَهُوَ الْغَايَة، وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين- إِن شَاءَ الله تعالي.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا كَانَ أحدكُم بِأَرْض فلاة فَدخل عَلَيْهِ وَقت صَلَاة، فَإِن صَلَّى بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة صَلَّى وَحده، وَإِن صَلَّى بِإِقَامَة صَلَّى بِصَلَاتِهِ ملكا، وَإِن صَلَّى بِأَذَان وَإِقَامَة صَلَّى خَلفه من الْمَلَائِكَة صف أَوَّلهمْ بالمشرق وَآخرهمْ بالمغرب».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك القَاضِي وَغَيره وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، وَمَالك، وَالنَّسَائِيّ، وَالطَّبَرَانِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم مطولا ومختصرًا وَبَعْضهمْ رَوَاهُ مَرْفُوعا وَبَعْضهمْ مَوْقُوفا.
أما عبد الرَّزَّاق بن همام فَأخْرجهُ فِي كتاب الصَّلَاة عَلَى مَا نَقله الضياء فِي أَحْكَامه من حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض قِيّ أَي قفر فحانت الصَّلَاة، فَليَتَوَضَّأ، فَإِن لم يجد مَاء فليتيمم، فَإِن أَقَامَ صَلَّى مَعَه ملكاه، وَإِن أذّن وَأقَام صَلَّى خَلفه من جنود الله- تَعَالَى- مَا لَا يُرى طرفاه».
وَأخرجه أَبُو مُحَمَّد بن حبَان- عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب الإِمام- عَن إِسْحَاق بن حَكِيم، عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان مَرْفُوعا بِهِ.
وَأما مَالك فَأخْرجهُ فِي الْمُوَطَّأ عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يَقُول: «من صَلَّى بِأَرْض فلاة صَلَّى عَن يَمِينه ملك، وَعَن شِمَاله ملك، وَإِن أذن وَأقَام الصَّلَاة صَلَّى وَرَاءه من الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْجبَال».
وَقيل: إِن فِي رِوَايَة القعْنبِي: «أذن وَأقَام» حَكَاهُ صَاحب الإِمام.
قَالَ الدارقطني فِي علله: وَهَذَا حَدِيث يرويهِ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ اللَّيْث، عَن يَحْيَى، عَن ابْن الْمسيب، عَن معَاذ. وَخَالفهُ مَالك فَرَوَاهُ عَن يَحْيَى، عَن ابْن الْمسيب قَوْله. وَقَول اللَّيْث أصح، قَالَ: وَمن عَادَة مَالك إرْسَال الْأَحَادِيث وَإِسْقَاط رجل.
وَأما النَّسَائِيّ فَأخْرجهُ فِي كتاب المواعظ من سنَنه عَن سُوَيْد بن نصر، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن مل- وَهُوَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ- عَن سلمَان مَرْفُوعا: «إِذا كَانَ الرجل فِي أَرض فَتَوَضَّأ فَإِن لم يجد المَاء تيَمّم، ثمَّ يُنَادي بِالصَّلَاةِ، ثمَّ يقيمها ويُصليهَا إِلَّا أم من جنود الله صفًّا» قَالَ عبد الله: وَزَادَنِي سُفْيَان، عَن دَاوُد، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان: يَرْكَعُونَ بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون عَلَى دُعَائِهِ وَكتاب المواعظ من النَّسَائِيّ مَوْجُود فِي رِوَايَة حَمْزَة بن عَمْرو الْكِنَانِي فَحَذفهُ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمزي فِي أَطْرَافه.
وَأما الطَّبَرَانِيّ فَإِنَّهُ أخرجه فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي نعيم، نَا عِيسَى بن قرطاس، حَدثنِي الْمسيب بن رَافع لَا أعلمهُ إِلَّا عَن زر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض قي فحانت الصَّلَاة فَليَتَوَضَّأ، فَإِن لم يجد مَاء فليتيمم، فَإِن أَقَامَ صَلَّى مَعَه ملكاه، وَإِن أذن وَأقَام صَلَّى خَلفه من جنود الله من لَا يرَى طرفاه».
وَأما الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، نَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن سلمَان قَالَ: «لَا يكون رجل بِأَرْض قي فيتوضأ أَو يتَيَمَّم صَعِيدا طيبا فينادي بِالصَّلَاةِ، ثمَّ يقيمها فَيصَلي» وَفِي رِوَايَة: «فيقيمها إِلَّا أم من جنود الله من لَا يرَى قطراه أَو قَالَ: طرفاه» شكّ التَّيْمِيّ.
ثمَّ أخرجه من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، نَا سُلَيْمَان، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان قَالَ: لَا يكون رجل بِأَرْض قي فيتوضأ إِن وجد مَاء، وَإِلَّا يتَيَمَّم فينادي بِالصَّلَاةِ، ثمَّ يقيمها إِلَّا أَمَّ من جنود الله مَا لَا يرَى طرفاه- أَو قَالَ: طرفه. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف، قَالَ: وَقد رَوَى مَرْفُوعا قَالَ: وَلَا يَصح رَفعه، ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن سلمَان مَرْفُوعا: «مَا من رجل يكون بِأَرْض قيًّ فَيُؤذن بِحَضْرَة الصَّلَاة، وَيُقِيم الصَّلَاة فَيصَلي، إِلَّا صَلَّى خَلفه من الْمَلَائِكَة مَا لَا يرَى قطراه يَرْكَعُونَ بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون عَلَى دُعَائِهِ».
وَرَوَاهُ ابْن طَاهِر فِي تَذكرته من حَدِيث يزِيد بن سُفْيَان، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان وَلَفظه: «من كَانَ بفلاة من الأَرْض، ثمَّ أذن وَأقَام، صَلَّى مَعَه من جنود الله مَا لَا يرَى طرفاه». قَالَ: وَيزِيد هَذَا لَيْسَ بِحجَّة.
قلت: وَيروَى أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة مَرْفُوعا: «إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض فلاة فَحَضَرَ وَقت الصَّلَاة، فَأذن ثمَّ أَقَامَ وَرفع صَوته، ثمَّ صَلَّى صَلَّى خَلفه أَمْثَال الْجبَال من الْمَلَائِكَة، وَإِذا صَلَّى وَلم يُؤذن لم يصل مَعَه إِلَّا ملكاه».
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي حلية الْأَوْلِيَاء من حَدِيث ضَمرَة عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن كَعْب الْأَحْبَار: «إِذا صَلَّى الرجل بِأَذَان وَإِقَامَة، صَلَّى مَعَه من الْمَلَائِكَة مَا يسد الْأُفق، وَإِذا صَلَّى بِإِقَامَة، صَلَّى مَعَه ملكاه».
قلت: فَحَدِيث سلمَان الْمَوْقُوف هُوَ الْعُمْدَة، وَالْبَاقِي شَوَاهِد لَهُ، وَلَا يخْفَى التسامح فِي بَاب الْفَضَائِل.
فَائِدَة: قَوْله: «أَرض قيًّ» هُوَ بِالْقَافِ أَي قفر كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الصّلاح.
ثمَّ قيل: المُرَاد بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَنَحْوهَا؛ لِأَن الْمَدِينَة عَلَى يسَار الْكَعْبَة فَيصير هُنَا صف أَوله الْمشرق وَآخره الْمغرب، وَعَلَى مثل هَذَا حمل الحَدِيث السائر: مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة. وَقيل: المُرَاد التَّقْدِير بِمَعْنى لَو فعل هَكَذَا صَلَّى ومَعَه صف من الْمَلَائِكَة يبلغ هَذَا الْمِقْدَار، حَكَاهُمَا ابْن الرّفْعَة فِي مطلبه، قَالَ: وَلَعَلَّ المُرَاد بالملكين فِي خبر سعيد بن الْمسيب السَّابِق الْحفظَة؛ لِأَنَّهُمَا حاضران مَعَه فَلَا يحتاجان إِلَى نِدَاء.